تكوين المحامين بين أروقة وزارة العدل وصمت البذلة السوداء

بقلم سفيان شاوش: محامي متمرن بهيئة المحامين بفاس
طالب بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق بمراكش
في سياق الإصلاحات التي باشرتها وزارة العدل، تم الإعلان عن إحداث "معهد كتابة الضبط والمهن القانونية والقضائية"، وهو مشروع يبدو في ظاهره تحديثيا، غير أن إدراج مهنة المحاماة ضمن اختصاصات هذا المعهد يطرح أكثر من علامة استفهام، بل ويدق ناقوس الخطر بخصوص مستقبل مهنة الدفاع واستقلاليتها.
ما يثير الاستغراب بل والقلق؛ هو السكوت غير المفهوم وغير المبرر الذي يطبع مواقف الهيئات المهنية للمحامين بالمغرب، وكأن الأمر لا يعنيها، أو كأنها استسلمت لفكرة انزلاق المهنة من موقع "السلطة/الرسالة المستقلة" (ان صحت حمولة العبارة) إلى موقع "المرفق التابع".
وهذا الانسحاب الطوعي أو العاجز من واجهة الدفاع عن المهنة لا يمكن إلا أن يفهم كتفريط في الرصيد الرمزي والكوني للمحاماة.
المحاماة، ليست كما تحاول بعض المقاربات تصويرها، وظيفة تقنية في منظومة العدالة، بل هي مهنة ذات استقلال مؤسسي ووظيفي جوهري، وشرط لازم لقيام المحاكمة العادلة.
فمن غير المقبول إدماج تكوين المحامي ضمن معهد يخضع تنظيميا وإداريا لوزارة العدل، ولو بوجود مديرية تخص المهن القانونية والقضائية.
أين صوت مجالس الهيئات؟ أين موقف النقباء؟ أين الغيرة المؤسساتية التي طالما تغنت بها أدبيات المهنة؟ هل بلغ بنا الأمر حد التطبيع مع المس العلني باستقلال المحامي؟
في تجارب الدول التي تكرس فعلا دولة الحق، لا يتصور أن يعهد بتكوين المحامين إلى معهد إداري تابع لجهة حكومية:
في فرنسا، يتم التكوين في Écoles régionales des avocats تحت إشراف الهيئات، لا وزارة العدل. في تونس، المعهد الأعلى للمحاماة يخضع لمجلس الهيئة الوطنية للمحامين. في إسبانيا، شهادة التأهيل للمحاماة تتم في الجامعات بالتنسيق مع الهيئات.
هذه النماذج، وغيرها، تفترض وجود هياكل مهنية يقظة، مدافعة، غير مستلبة أمام توجهات السلطة التنفيذية في شخص ممثلها السيد المحامي/الوزير عبد اللطيف وهبي. وهو ما نفتقده اليوم في واقعنا المهني المغربي الذي يبدو فيه صوت المحاماة قد خفت، أو أخفي، أمام قرارات مصيرية تمس جوهر الكينونة المهنية.
إن إدماج المحاماة في معهد كتابة الضبط، دون ضمان استقلال حقيقي في التكوين والتأطير، هو اختزال خطير لوظيفة الدفاع في شكل إداري تقني، ما يهدد موقعها كسلطة دفاع قائمة الذات لها رصيدها التاريخي الكبير والمشرق، ويفرغ شعارات الاستقلال من مضمونها.
ولذلك، فإن المسؤولية التاريخية اليوم لا تقع على وزارة العدل، بل على الهيئات المهنية التي لم تتخذ أي موقف حازم ولا تتحرك لحماية المهنة، ما يطرح بإلحاح ضرورة استعادة الوعي المهني الجماعي قبل فوات الأوان.